أنت هنا

تتذكر لالة خدوج يوم زفاف ابنتها بأنه كان أسعد يوم في حياتها. كانت تعتقد أن الحياة بدأت تبتسم لها أخيرًا. لكن للأسف، ستقلب مأساة تعرضت لها بعده بقليل حياتها رأسًا على عقب.

قصة لالة خدوج هي قصة العديد من النساء من المغرب العميق اللائي اغتصبت طفولتهن ليصبحن زوجات وأمهات في سن مبكرة. وكان مصيرهن، في كثير من الأحيان، الزواج بشكل مبكر، ومرتب، وحتى قسري. "تمكنت من الذهاب إلى المدرسة الابتدائية لبضع سنوات، لكنني كنت أعلم أن عائلتي كانت ستقرر إبقائي في المنزل في أي وقت". وتقول لالة خدوج "لقد تم ذلك بسرعة بسبب نوبات الصرع التي كنت أعاني منها".

كانت الأسرة تخشى على هذه الفتاة التي قد تفقد الوعي في أي وقت وحيثما كان، سواء في المدرسة أو في الشارع. وانتهى الأمر بتزويجها لأول شخص تقدم لها عندما كانت في السادسة عشرة من عمرها. واعتقادا منها بحمايتها، لم يساور عائلة للا خدوج أي شك في أنها ستتعرض للاغتصاب الزوجي والعنف اللفظي والأعمال المنزلية الشاقة لمدة عام كامل، ستعود بعدها مطلقة تحمل وليدها بين يديها. وفي الواقع، كما هو الشأن بالنسبة لجميع "الطفلات-العرائس" اللواتي يتعرضن في كثير من الأحيان للحمل المبكر، حملت لالة خدوج بمجرد أن تزوجت ورزقت بطفلة.

"طلقني زوجي بعد عام من الزفاف بسبب نوبات الصرع وأيضاً لأنني لم أمنحه الولد الذي كان ينتظر".

وبعد أن أضعفتها دوامة العنف، تعرضت لالة خدوج لنوبات الصرع من جديد. فبعد أكثر من 20 سنة، وبعد وقت قصير من زفاف ابنتها، فقدت الوعي وسط الشارع واكتشفت أنها تعرضت للاغتصاب عندما استيقظت. وستكتشف لالة خدوج أنها حامل وتلد بعد بضعة أشهر فتاة صغيرة. "لقد كان ذلك وصمة عار. لقد تطلقت ابنتي أيضا بسبب هذه المأساة".

لجأت لالة خدوج لطلب المساعدة لدى جمعية الألفية الثالثة لتنمية الفعل الجمعوي بالجنوب الشرقي، والتي تنسق شبكة  أناروز. " لم يحكم علي أي أحد هنا. لقد تم الاعتناء بي خلال فترة كوفيد 19، حيث وفروا لي الأدوية والحليب والحفاضات لابنتي والكمامات، وفوق كل هذا وذاك كانوا يستمعون إلي ويتفهمون وضعيتي ".

وبفضل دعم صندوق الأمم المتحدة للسكان والشؤون العالمية الكندية، تمت مساندة المئات من النساء الناجيات من العنف من خلال توفير السلع والخدمات الأساسية والدعم النفسي وتعزيز القدرات الشخصية.

وبهذا الصدد، تقول سميرة بناني، المديرة التنفيذية : " مكنتنا هذه الشراكة من التعامل مع جائحة كوفيد 19 على نحو مختلف، فضلا عن المعدات والمواد الضرورية لتشغيل فضاء النساء ضحايا العنف، تم توفير الملصقات والمنتجات لتمكين النساء من مواجهة الأزمة ".

ومن ثم ، تم تنفيذ أنشطة الإعلام والتوعية والترافع بشكل مشترك لوضع حد للعنف المبني على النوع الاجتماعي والممارسات الضارة ضد النساء والفتيات، ولا سيما زواج الأطفال.

وسعياً لدعم الاستجابة لأزمة كوفيد 19، مكّن العمل المشترك من إحداث خط هاتف دائم لمساعدة ضحايا العنف من النساء، بالتنسيق مع خدمات الشرطة والعدالة، فضلاً عن منصة رقمية لتقديم المساعدة القانونية والدعم النفسي للنساء والفتيات اللواتي يتواجدن في وضعية عصيبة.

وبغية إثراء المعرفة بشأن هذه الظاهرة أثناء الأزمات، تم إجراء دراستين تقييميتين للسياسات العامة على مستوى جهة درعة- تافيلالت حول الثغرات القائمة في خدمات الرعاية والدعم للنساء ضحايا العنف ومراعاة الصحة الجنسية والإنجابية والمساواة بين الجنسين في مخطط التنمية لثلاثة جماعات ترابية.

هذا وقد تم أيضًا في إطار عملية سلامة توفير العشرات من معدات الحماية للنساء الناجيات من العنف وكذلك للعاملين الصحيين في الجهة.

وقد كانت لالة خدوج واحدة من مئات النساء ضحايا العنف اللواتي أخذن مصيرهن بأيديهن للانعتاق من دوامة العنف التي استفحلت بسبب قيود التنقل التي تم فرضها للتصدي لانتشار الفيروس.

وقد مكنها الدعم الذي استفادت منه من مواجهة معاناتها بشجاعة و التغلب على خوفها من أن تجد نفسها في الشارع. ولازالت لالة خدوج الآن تتلقى المساعدة لاستعادة ثقتها بنفسها وتولي زمام أمورها.

وباتت ابنة لالة خدوج تمثل لها بريق الأمل الذي يلوح في الأفق مؤذنا ببزوغ غد أكثر إشراقاً.

نساء يقدن النضال من أجل الفئات الأكثر هشاشة

لطالما كان تعليم الفتيات الصغيرات ومكافحة زواج الأطفال والتعبئة ضد العنف ضد النساء والعديد من الإجراءات الأخرى من أجل حقوق النساء في صميم عمل جمعية الألفية الثالثة لتنمية الفعل الجمعوي بالجنوب الشرقي (ATMDAS) . فمنذ أن رأت النور في 1999، دأبت الجمعية على الدعوة إلى العدالة ومستقبل أفضل. وانطلاقا من قناعتها بضرورة منح الفرصة لمن تخلف عنها، تواصل سميرة بناني اليوم النضال مع نشطاء الجمعية. وتؤكد أنه "نضال من أجل حقوق أولئك الذين تخلفوا عن الركب، ونضال من أجل الأطفال الذين يتعرضون للإيذاء، ونضال من أجل كل هؤلاء النساء اللائي يعانين في صمت". انفتحت الجمعية في وجه النساء لدعم ولوجهن إلى المعلومات وبناء قدراتهن ومساعدتهن على كسب لقمة العيش، ولكن أساسا، تمكينهن من حرية التعبير. وتستذكر سميرة انطلاق أول مركز استماع للنساء ضحايا العنف في 2002 وتؤكد على التعاون طويل الأمد بين الجمعية وصندوق الأمم المتحدة للسكان من خلال شبكة أناروز التي ساهمت في إحراز تقدم كبير في مجال حقوق النساء على الصعيدين المحلي والوطني.

هذه القصص والشهادات الإنسانية مقتطفة من مجلة "بصمات نسائية: نساء مغربيات وجدن لتكن مكافحات" والتي تصدر كجزء من مشروع "تعزيز حقوق الصحة الجنسية والإنجابية للنساء والفتيات والمساواة بين الجنسين في المغرب" والذي يتم تنفيذه بدعم من الشؤون العالمية الكندية.